كان هناك مجموعة من العلماء يحقدون على الإمام الشافعي ويدبرون له المكائد عند الأمراء .. فأجتمعوا وقرروا أن يجمعوا له العديد من المسائل الفقهية المعقدة لإختبار ذكائه .. فاجتمعوا ذات مرة عند الخليفة الرشيد الذي كان معجبًا بذكاء الشافعي وعلمه بالأمور الفقهية وبدأوا بإلقاء الأسئلة والفتاوى في حضور الرشيد.
فسأل الأول: ما قولك في رجل ذبح شاة في منزله ثم خرج في حاجة فعاد وقال لأهله: كلوا أنتم الشاة فقد حرمت علي.. فقال أهله: و علينا كذلك.
فكر الشافعي قليلاً ثم أجاب: إن هذا الرجل كان مشركاً فذبح الشاة على اسم الأنصاب وخرج من منزله لبعض المهمات فهداه الله إلى الإسلام و أسلم فحرمت عليه الشاة و عندما علم أهله أسلموا هم أيضاً فحرمت عليهم الشاة كذلك.
وسُئل: شرب مسلمان عاقلان الخمر.. فلماذا يُقام الحد على أحدهما ولا يُقام على الآخر ؟
فكر قليلاً ثم أجاب: إن أحدَهما كان صبياً و الآخرُ بالغاً.
و سُئل: رجل صلى و لما سلم عن يمينه طلقت زوجته!! .. ولما سلم عن يساره بطلت صلاته!!.. و لما نظر إلى السماء وجب عليه دفع ألف درهم؟
فكر قليلاً ثم قال: لما سلم عن يمينه رأى زوج امرأته التي تزوجها في غيابه فلما رآه قد حضر طلقت منه زوجته.. و لما سلم عن يساره رأى في ثوبه نجاسة فبطلت صلاته.. فلما نظر إلى السماء رأى الهلال وقد ظهر في السماء و كان عليه دين ألف درهم يستحق سداده في أول الشهر.
و سُئل: ما تقول في إمام كان يصلي مع أربعة نفر في مسجد فدخل عليهم رجل.. و لما سلم الإمام وجب على الإمام القتل و على المصلين الأربعة الجلد و وجب هدم المسجد على أساسه؟
فكر الشافعي قليلاً ثم أجاب: إن الرجل القادم كانت له زوجة و سافر و تركها في بيت أخيه فقتل الإمام هذا الأخ و أدعى أن المرأة زوجة المقتول فتزوج منها.. و شهد على ذلك الأربعة المصلون.. و أن المسجد كان بيتًا للمقتول.. فجعله الإمام مسجدًا!
و سُئل: ما تقول في رجل أخذ قدح ماء ليشرب.. فشرب حلالاً و حرم عليه بقية ما في القدح؟
فكر قليلاً ثم أجاب: إن الرجل شرب نصف القدح فرعف (أي نزف) في الماء المتبقي.. فاختلط الماء بالدم فحرم عليه ما في القدح!
و سُئل: كان رجلان فوق سطح منزل.. فسقط أحدُهما فمات فحرمت على الآخر زوجته؟
فكر قليلاً ثم أجاب: إن الرجل الذي سقط فمات، كان مزوجاً ابنته من عبده الذي كان معه فوق السطح.. فلما مات أصبحت البنت تملك ذلك العبدَ الذي هو زوجها فحرمت عليه.
إلى هنا لم يستطع الرشيدُ الذي كان حاضرًا تلك المساجلة أن يخفي إعجابه بذكاء الشافعي و سرعة خاطرته و جودة فهمه و حس إدراكه.. وقال لبني عبد مناف: لقد بينت فأحسنت و عبرت فأفصحت و فسرت فأبلغت.
فقال الشافعي: أطال الله عمر أمير المؤمنين إني سائل هؤلاء العلماء مسألة فإن أجابوا عليها فالحمد لله و إلا فأرجو أمير المؤمنين أن يكف عني شرهم.
فقال الرشيد: لك ذلك و سلهم ما تريد يا شافعي.
فقال الشافعي: مات رجلٌ و ترك 600 درهم.. فلم تنل أخته من هذه التركة إلا درهمًا واحدًا.. فكيف كان الظرف في توزيع التركة؟؟
فنظر العلماء بعضُهم إلى بعض طويلاً و لم يستطع أحدهم الإجابة على السؤال فلما طال بهم السكوت طلب الرشيد من الشافعي الإجابة.
فقال الشافعي: مات هذا الرجل عن ابنتين و أم و زوجة و اثني عشر أخاً و أختٍ واحدةٍ .. فأخذت البنتان الثلثين و هما 400 درهم .. و أخذت الأم السدسَ و هو 100 درهم .. و أخذت الزوجة الثمنَ و هو 75 درهم.. و أخذ الإثنا عشر أخاً 24 درهمًا فبقي درهم واحد للأخت.
فتبسم الرشيدُ وقال: أكثر الله في أهلي منك.
و أمر له بألفي درهم، فتسلمها الشافعي و وزعها على خدم القصر